مجلس كبار المستشارين دولة ليبيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم 1

اذهب الى الأسفل

الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم 1 Empty الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم 1

مُساهمة من طرف Admin الأحد مايو 28, 2017 1:39 pm

[
b]الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم

بحث مقدم من: د.سالمة فرج الجازوي

عضو هيأة تدريس بقسم القانون الخاص /جامعة بنغازي

المقدمة[/b]

    نظراً لتزايد المنازعات التي يشهدها عالم اليوم حيث أصبحت المنازعات أكثر عدداً وأشد تعقيداً الأمر الذي يلزم معه البحث عن وسائل أخرى إلى جانب القضاء لتسوية المنازعات لذا اعتبر التحكيم هو الحل الناجح لمثل هذه الإشكاليات.

    ويبدأ التحكيم باتفاق فهو أول خطوة في التحكيم والأساس الذي يقوم عليه، ففي اتفاق التحكيم يحدد الأطراف الموضوع ((محل التحكيم)) والمحكّمين ومكان التحكيم والقانون الواجب التطبيق سواء أكان هذا القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم أو على موضوع النزاع وبمقتضى اتفاق التحكيم يتنازل الأطراف عن حقهم في اللجوء إلى القضاء ويتم عرض النزاع على محكم أو أكثر من أجل الفصل فيه.
 
    ويكتسب هذا البحث أهميته من حيث أنه يسعى لعلاج العديد من الإشكاليات التي لازالت عالقة في القانون الليبي نظراً لقلة المراجع والأبحاث القانونية الخاصة بالتحكيم ولقلة المتخصصين في التحكيم وذلك في القانون الليبي.

     وتوجد العديد من الإشكاليات التي يعالجها هذا البحث وذلك فيما يتعلق بكيفية تنظيم اتفاق التحكيم وما هي الشروط الواجب توافرها في اتفاق التحكيم وما هي صوره وهل يجب إثبات اتفاق التحكيم بالكتابة أم من الممكن إثباته بأي وسيلة من وسائل الإثبات؟

    ودراسة اتفاق التحكيم في القانون الليبي تقتضي تعريف اتفاق التحكيم وبيان صوره والآثار المترتبة عليه وطرق إثباته وكيفية صياغة اتفاق التحكيم.
    يتضمن هذا البحث دراسة اتفاق التحكيم، وهذا يقتضي تعريف اتفاق التحكيم، وبيان لصوره والآثار المترتبة عليه، وطُرق إثباته، وسيتمُّ دراسة ذلك من خلال المباحث الآتية:
المبحث الأول: ماهية اتفاق التحكيم.
المبحث الثاني: صور اتفاق التحكيم.
المبحث الثالث: آثار اتفاق التحكيم وإثباته.
المبحث الرابع: كيفية صياغة اتفاق التحكيم.

المبحث الأول
ماهية اتفاق التحكيم
    إنّ دراسة ماهية اتفاق التحكيم تتطلب معرفة المقصود باتفاق التحكيم، وكذلك الشروط الواجب توافرها في هذا الاتفاقّ؛ لذا سوف يتمُّ تخصيص المطلب الأول لتعريف اتفاق التحكيم، أما المطلب الثاني فإنه يتطرق لشروط اتفاق التحكيم، وذلك على النحو الآتي.

المطلب الأول
تعريف اتفاق التحكيم
يُعرَّف اتفاق التحكيم بصفة عامة بأنّه تراضي أطراف علاقة قانونية معينة، على اللجوء إلى التحكيم دون قضاء الدولة، لتسوية النزاع الذي نشأ أو محتمل أن ينشأ بينهم، وذلك بإصدار حكم مُلزم لهم.  فاتفاق التحكيم هو عقد مكتوب يلزم أطرافه بالالتجاء إلى التحكيم لتسوية المنازعات التي نشأت، أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة تربط بينهم.
ولقد نَصَّتْ المادة 739 من قانون المرافعات الليبي على أنه " يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكمين، ويجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بمشارطة تحكيم خاصَّة ".  
ولقد عرفت المادة الثانية الفقرة الأولى من اتفاقية نيويورك اتفاق التحكيم بأنّه: اتفاق مكتوب يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم كلًّ أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقديّة، أو غير التعاقديّة المتعلِّقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم.
كما نصَّ القانون النموذجي على اتفاق التحكيم، وذلك في المادة السابعة الفقرة الأولى إذ عرفت هذه المادة اتفاق التحكيم بأنه: " اتفاق الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم، جميعَ أو بعض المنازعات المحددة تعاقديّة كانت أو غير تعاقديّة ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أو في صورة اتفاق منفصل".

ولا يختلف تعريف اتفاق التحكيم المنصوص عليه في اتفاقية عمان عن التعريفات السابقة، إذ عرفت المادّة الأولى اتفاق التحكيم بأنه: " اتفاق الأطراف كتابةً على اللجوء إلى التحكيم سواء قبل نشوء النزاع، أو بعده ".  
.
        يمنح اتفاق التحكيم هيئة التحكيم، سلطة الفصل في المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية معينة. وقد تتعلّق المنازعات بتفسير، أو بتحديد، أو تنفيذ   العقد، أو بالتعويض عن تأخير الوفاء بالالتزامات المتولّدة عن العلاقة القانونية. وأشير هنا إلى نصّ المادة 739 من قانون المرافعات الليبي السالف الإشارة إليه بأنّه معيب؛ لأنّه يقصر التحكيم على المنازعات الناشئة عن العقود في حين أن المنازعات التي تُحسم عن طريق التحكيم قد تنشأ عن علاقات تعاقديّة، وقد تنشأ عن علاقات غير تعاقديّة، بل إن هذا النصّ يقتصر على النزاع الناشئ عن تنفيذ العقد، في حين قد يتعلق النزاع بتفسير، أو بتحديد العلاقة التعاقديّة.

المطلب الثاني
الشروط الواجب توافرها في اتفاق التحكيم
    يُعَدُّ اتفاق التحكيم – شرطاً كان أو مشارطة – كأي عقد يتمّ بإيجاب وقبول ويتعين أن تتوافر فيه الشروط التي يتطلبها القانون، فاتفاق التحكيم عقد رضائي؛ لذا يجب عدم وجود أي عيب من عيوب الإرادة فيه، ويجب أن تتوافر في عقد التحكيم الأركان الثلاثة الرئيسة للعقد، وهي الرضا، والمحل، والسبب.  وهي شروط عامة لازمة لصِحَّة أي عقد، ولقد أغرق فقهاء القانون المدني في دراستها؛ لذا لن تتناول الباحثة القواعد العامة للعقود، لأنها ليست موضوع الدراسة، وستقتصر الدراسة على الشروط الخاصّة باتفاق التحكيم.
ولقد وضع المشرع الليبي مجموعة من الشروط التي يجب توافرها لصِحَّة اتفاق التحكيم هدفها سلامة التراضي والتوفيق بين الأشخاص على التحكيم، بحيث لا يقوم الأطراف بإبرام اتفاق التحكيم دون إدراكهم لما يترتب عليه من نتائج.
ونستطيع أن نُجمل الشروط التي يجب توافرها في اتفاق التحكيم فيما يلي:

1- يجب توافر الأهلية في أطراف اتفاق التحكيم، ولقد شدد المشرع الليبي في الأهلية اللازمة لصحة التحكيم، فاشترط توافر أهلية التصرف، ومؤدّى ذلك أن المحجور عليه لا يملك صلاحية إبرام أو قبول التحكيم، وأيضاً القاصر ولو كان مأذوناً له بأعمال الإدارة، وكذلك النائب القانوني.  
وفي حالة ما إذا تمَّ إبرام اتفاق التحكيم من شخص ليس له أهلية القيام بذلك فإن اتفاق التحكيم يكون باطلاً، بمعنى أنه إذا رضي بالتحكيم مَنْ لا يملك التصرف فإن التحكيم يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً؛ لتعلقه بالنظام العام.
ولقد نصَّت المادة 740  من قانون المرافعات في فقرتها الثانية على شرط الأهلية في اتفاق التحكيم حيث تقضي بأنه لا يصحّ التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في حقوقه.
2- يجب توافر الرضا بالتحكيم، بمعنى تطابق إرادة أطراف اتفاق التحكيم على حسم النزاع الناشئ أو الذي قد ينشأ بينهم عن طريق التحكيم.  
يجب أن تتجه إرادة المتعاقدين إلى إخراج النزاع من اختصاص القضاء، وتخويل محكم أو أكثر مهمة الفصل في النزاع، ويجب أن يكون الرضا خالياً من عيوب الإرادة مثل: الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال، وفي حالة عدم وجود الرضا، أو شَابَ الاتفاق عيب من عيوب الإرادة، فإن اتفاق التحكيم يكون باطلاً بطلاناً نسبياً، أو باطلاً بطلاناً مطلقاً، وذلك باختلاف الأحوال.  
3- يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، إذ تشترط العديد من القوانين أن يكون اتفاق التحكيم في شكل كتابي؛ لكي يحقق أهدافاً عدّة كتوفير الدليل لإثبات إبرام العقد، وتيسير تعيين هوية الأطراف في ذلك الاتفاق، وكذلك تنبيه الأطراف إلى أهمية التنازل عن الحقّ في اللجوء إلى القضاء.
ولقد اختلفت التشريعات في اشتراط الكتابة في اتفاق التحكيم، فبعض القوانين اشترطت أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا اعتبر باطلاً، فالكتابة وفقاً لهذه القوانين شرط لصِحَّة العقد كالقانون الفرنسي مثلاً. واشترطت بعض القوانين الكتابة لا لصَحَّة العقد، بل لإثباته كما هو الحال في القانون البلجيكي، والانجليزي، والإيطالي وكذلك أغلب القوانين العربية كالقانون المصري، والعراقي، واللبناني، والسوري وهناك قوانين أخرى لم تشترط الكتابة في اتفاق التحكيم كالقانون السويدي، والدنماركي وألماني.  
أمّا عن الوضع في القانون الليبي والاتفاقيات الدولية محلّ الدراسة، فسوف تتناولها الباحثة عند الحديث عن إثبات اتفاق التحكيم،  وذلك تجنبناً للتكرار.
4- تحديد موضوع النزاع، يجب أن يتمَّ تحديد موضوع النزاع في اتفاق التحكيم؛ لأنّه شرطٌ جوهري فيه، وذلك في حالة مشارطة التحكيم، أمّا في حالة شرط التحكيم فمن الممكن أن يكون تحديد موضوع النزاع أثناء المرافعة.
ومن أهم شروط التحكيم - كما تقضي المحكمة العليا الليبية - اتفاق يحدد فيه موضوع النزاع وإلا كان التحكيم باطلاً وأن يحكم المحكم على أساس ما يقدِّمه له الخصوم، ومفاد ذلك أن يقوم المحكم بدور القاضي الذي يستمع للخصمين ويقضي لأحدهما بناءً ما توفر له من البيِّنات.  فهذا الحكم يشترط ضرورة ذكر موضوع النزاع، وفي حالة تخلف هذا الشرط أي عدم تحققه فإن اتفاق التحكيم يكون باطلاً. ولم يأتِ هذا الحكم بجديد، فهو تأكيد لما نصّت عليه المادة 743 من قانون المرافعات الليبي التي تنص على أن " يجب أن يحدد موضوع النزاع في مشارطة التحكيم أو أثناء المرافعة ولو كان المحكمون مفوضين بالصلح وإلا كان التحكيم باطلاً ".
بيد أن موضوع النزاع الذي تحدده الأطراف قد يتطور، وقد يتسع بعد وضع مشارطة التحكيم، وحينئذ ليس هناك ما يمنع الأطراف من إبرام مشارطة تحكيم إضافية أو أكثر تُغطي موضوعات المنازعات التي ظهرت أثناء خصومة التحكيم.
فالتحكيم طريق استثنائي سنَّه المشرع لفِّض الخصومات بين الأفراد، وقوامه الخروج على طُرق التقاضي العادية، وما تكفله من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور حتماً على ما تنصرف إليه إرادة الطرفيين على عرضه على هيئة التحكيم؛ لذا أوجب القانون أن تتضمن وثيقة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين ويتسنىّ رقابة مدى التزامهم بحدود ولايتهم.  
5- لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام، فعقد التحكيم في هذه المسائل يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً، وذلك لتعلّقه بالنظام العام، ويجوز أن يتمسك به أي خصم في الدعوى وفي أي حالة تكون عليها الإجراءات وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، دون الاعتداد بما اتفق عليه الطرفان.
6- من شروط اتفاق التحكيم ذكر أسماء المحكمين في اتفاق التحكيم، وفي حالة عدم ذكر أسمائهم يجوز تحديد شخصيتهم تحديداً نافياً للجهالة، كأن يقال عميد كلية القانون لجامعة معينة، أو رئيس نقابة المحامين مثلاً.
إذن اتفاق التحكيم يجب أن تتوافر فيه عدّة بيانات، والتي من شأنها أن تجعله اتفاقاً واضحاً ومحدداً وتبعده عن أي لبس، فيجب أن يحتوي اتفاق التحكيم على عدد المحكمين ومؤهلاتهم وطُرق تعينهم، ومكان التحكيم، وكذلك الإجراءات المتبعة والقانون الواجب على إجراءات التحكيم، وموضوع النزاع، وأيضاً المدَّة المحددة للتحكيم.  
والعناصر التي تمت الإشارة إليها هي على سبيل المثال لا حصر، وجُملة نستطيع القول كلّما أحتوى اتفاق التحكيم على كم من البيانات أدى ذلك إلى تجنب المشكلات التي قد تحدث عند تنفيذ اتفاق التحكيم.

المبحث الثاني
صُور اتفاق التحكيم
سيتناول هذا المبحث موضوع صُور اتفاق التحكيم، حيث توجد ثلاث صُور لاتفاق التحكيم الأولى تكون كشرط أو بند في العقد نفسه محلّ النـزاع، أو في عقد مستقلّ عنه، وذلك لفضِّ نزاع محتمل الوقوع، وهو ما يُسمىَّ شرط التحكيم، أما الصورة الثانية فهي عبارة عن عقد يتفق فيه أطرافه على حسم نزاع وقع بالفعل وهو ما يُسمَّى بعقد التحكيم، أو مشارطة التحكيم، كما توجد صورة ثالثة لاتفاق التحكيم حيث يقوم الأطراف بالإشارة في العقد محلّ النـزاع إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم من أجل حسم النـزاع الذي قد ينشأ بينهم، وتُسمَّى هذه الصورة التحكيم بالإحالة.
وقد حدَّدَ المشرع الليبي في المادّة 739 من قانون المرافعات – الذي تمت الإشارة إليه- صورتين لاتفاق التحكيم، وهما: شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم، حيث فَرّقَ المشرِّع  في هذه المادة بين شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم.
وكذلك نصَّت الفقرة الأولى من المادة الثالثة من اتفاقية عمان على أن يتمَّ الخضوع للتحكيم بإحدى الطريقتين الأولى تكون بإدراج شرط التحكيم في العقود المبرمة بين ذوي العلاقة، أما الثانية فتكون باتفاق لاحقٍ على نشوء النزاع.
فمعيار التمييز بين شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم إذن هو لحظة إبرام العقد فإذا ما تمَّ إبرام العقد قبل حدوث النزاع، ففي هذه الحالة يُسمَّى شرط التحكيم سواء أكان هذا الشرط بنداً من ضمن بنود العقد الأصلي، أو كان اتفاقاً مستقلاً عنه، أمّا إذا كان الاتفاق على التحكيم بعد حدوث النزاع، ففي هذه الحالة يُسمَّى مشارطة التحكيم.
وتشير الباحثة هنا إلى أنّ القانون الليبي والاتفاقيات الدولية قد جعلت شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم في المستوى نفسه، وذلك بوضعها تحت مُسمَّى واحد هو اتفاق التحكيم.
إذن لا تُوجد فروق بين اتفاق التحكيم، ومشارطة التحكيم إلا في حالة واحدة وهي بالنسبة لمشارطة التحكيم أي اتفاق التحكيم الذي يبرم بعد قيام النزاع فيجب لصحّته أن تنصّ في صلب الاتفاق على موضوع النزاع المراد حسمه عن طريق التحكيم؛ لأن النزاع وقع وصار شيئاً يمكن تبنيه أمّا فيما يتعلق بشرط التحكيم فإنه لا يلزم ولا يتصور أن يشار فيه إلى نزاع بذاته.
ومن الجائز أن يشير أطراف العقد محلَّ النزاع إلى وثيقة أخرى تحتوي على شرط التحكيم، وذلك باعتبارها جزءاً من العقد، ففي هذه الحالة يعتبر الشرط الموجود في العقد المحال إليه الاتفاق على التحكيم، وتُسمَّى هذه الصورة باتفاق التحكيم بالإحالة وفيما يلي بيان لصور اتفاق التحكيم الثلاث.
المطلب الأول
شرط التحكيم
إنّ دراسة شرط التحكيم تقتضي القيام بتعريف شرط التحكيم، وكذلك التطرق لمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي؛ لذا سوف يتمُّ تعريف شرط التحكيم في الفرع الأول، ويتطرق الفرع الثاني لمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي.
الفرع الأول: تعريف شرط التحكيم
شرط التحكيم هو الاتفاق الذي تتعهد فيه الأطراف بعرض أي نزاع قد ينشأ مستقبلاً بخصوص تنفيذ عقد معين على هيئة التحكيم.
فشرط التحكيم هو اتفاق يرد ضمن نصوص العقد، ويقرر بموجبه الأطراف اللجوء إلى التحكيم؛ لتسوية المنازعات المستقبلية التي قد تثور حول العقد وتنفيذه وغالباً ما يدرج شرط التحكيم في العقد الأصلي، ولا يوجد ما يمنع من الاتفاق عليه في وثيقة مستقلّة تُعَدُّ بمثابة ملحق للعقد الأصلي.  وشرط التحكيم سواء أكان بنداً في العقد أو جاء مستقلاً عن العقد، فإنّ ذلك لا يؤثر في وصفه شرطاً للتحكيم مادام الاتفاق عليه كان قبل نشأة النزاع.
فشرط التحكيم إذن عبارة عن شرط يرد في العقد يقضي بإنَّ أي نزاع حول تفسير العقد أو تنفيذه يتمُّ تسويته عن طريق التحكيم، وهنا يجب التنويه إلى أنّ شرط التحكيم يرد لحسم النزاع في علاقة تعاقديّة، ويكون قبل حدوث النزاع، إذ لا يتصور أن يرد شرط التحكيم لحسم علاقة غير تعاقدية.
وأنوه هنا إلى أنّ هناك مَنْ يرى أن الطبيعة القانونية لشرط التحكيم هي الوعد بالتعاقد، إذ إنّ شرط التحكيم هو الوعد بالتحكيم، فمثلاً شرط التحكيم الوارد ذكره في عقد إيجار السفينة والذي بمقتضاه يجوز لأطراف العقد اللجوء إلى التحكيم لفضِّ المنازعات الناشئة عن العقد وهو وعدٌ بالتحكيم في نزاع محتمل الوقوع، وغير محدد.  
والملاحظ أنّه قد تتفق أطراف النزاع على إحالة كافّة المنازعات التي تثور بينهم للتحكيم، وهذا ما يعرف بشرط التحكيم العام، كما قد تتفق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم بشأن بعض المسائل المحددة، ويُطلق على شرط التحكيم في هذه الحالة شرط التحكيم الخاص.
الفرع الثاني: استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي
يعتبر مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي من المبادئ المستقرَّة في القوانين الوطنية والاتفاقيات الدوليَّة، على أساس أنّه يستند على الوضع المختلف لكلٍ من العقدين، العقد الأصلي، وشرط التحكيم.
ويكون شرط التحكيم مستقلاً عن العقد الأصلي مصدر العلاقة القانونية بين الطرفين، حيث يعتبر اتفاق التحكيم مستقلاً عن هذا العقد، وإن كان قد تمَّ إدراجه ضمن بنود هذا العقد، علماً بأنّ بطلان العقد الأصلي، أو شرط التحكيم لا يؤثر على صِحَّة أو بطلان الآخر.  
فشرط التحكيم إذن مستقلٌّ عن العقد الأصلي محلّ النزاع حيث لا يتأثر بما يطرأ على العقد الأصلي من بطلان، أو إنهاء، أو فَسْخ، ومعنى ذلك أنه من الممكن بطلان العقد الأصلي محلّ النزاع، وبطلان شرط التحكيم كما لو كان البطلانُ ناتجاً عن عيب من عيوب الإرادة، ففي هذه الحالة يكون العقد وشرط التحكيم كلاهما باطلاً، كما أنه قد يكون العقد صحيح ولكن شرط التحكيم باطل كما لو تمَّ إبرام العقد إبراماً صحيحاً، وتم إدراج شرط التحكيم فيه، ولكن شرط التحكيم كان في مسألة لا يجوز التحكيم      فيها، ففي هذه الحالة يكون العقد صحيحاً، ويعتبر شرط التحكيم باطلاً.  
ومن نتائج استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي هو أنّه قد يخضع العقد الأصلي لقانون يختلف عن القانون الواجب تطبيقه على شرط التحكيم.
وفكرة استقلال شرط التحكيم تقطع الطريق على الخصوم للقيام بتعطيل الإجراءات والكيد في الخصومة، كما هو الشأن في إساءة التقاضي في نظام قضاء الدولة الرسمي وتصميم الخصوم على سلوك كافّة السُّبل التي تؤدي إلى إطالة أمد التقاضي وبخاصّة من الطرف الذي يحتمل خسرانه للتقاضي، خاصّة وأنّ من أهم أسباب اللجوء للتحكيم هو الرغبة في حسم النزاع في أجل قصير. وهذه الميزة الأساسية لفكرة الاستقلال هي التي دفعت إلى النظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءاً من العقد كما لو كان اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم.    
ولقد قَضَتْ محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 7 مايو 1963م بأنّه "شرط التحكيم سواء أبرم منفصلاً أو مدرجاً في التصرف القانوني الذي يتعلق به، يكون له دائماً استقلال قانوني كامل، يحول دون إمكان تأثره بعدم صحة التصرف المحتملة ".
كما قضت ذات المحكمة بأنّه: " في مجال التحكيم الدولي يتعين إعطاء عبارة اتفاق التحكيم مفهوماً موحَّداً وأن - يعامل على قدم المساواة- شرط التحكيم الوارد في نصوص عقد ومشارطة التحكيم التي أُبرمت استقلالاً بحيث يتمتع الاثنان بذات القدر من الاستقلالية... واتفاق التحكيم في المجال الدولي يتمتع كقاعدة عامة باستقلالية قانونية لا تتأثر باحتمالات إبطال العقد الأصلي مع ما يتبع ذلك من إقرار هيئة التحكيم في الاستمرار في نظر النزاع، وإصدار حكم واجب الاحترام ".
ولم ينص القانون الليبي على هذا المبدأ، الأمر الذي يعتبر قصوراً في القانون الليبي؛ لذا نهيب بالمشرع الليبي النص على هذا المبدأ خاصّة بعد تدخل المحكمة العليا الليبية حيث قضت بأنّه وإن كانت الوزارة قد لجأت إلى فسخ العقد اسناداً إلى المادة التاسعة، وهذا من حقها إذا قدرت أن هذا يقتضيه الصالح العام، وبما أن نص البند السابع عشر من العقد صريحاً في أنّ أي نزاع أو خلاف قد ينشأ حول كيفية تطبيق أو تفسير هذا العقد، ويتعذر تسويته بواسطة الاتصالات المباشرة بينهما، يجب أن يعرض على هيئة تحكيم، وبما أنّ النزاع يتناول حتماً وضمنياً تحقيق أسباب الفسخ اقتضى إعمال شرط التحكيم الذي ارتضته الوزارة في عقدها، والذي لا يجوز لها أن تنكره.  
ففي هذا الحكم أخذت المحكمة العليا الليبية بمبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، فهي ترى سريان شرط التحكيم الموجود في العقد، حتى ولو حدث فسخ للعقد بعد تحقق أسباب قادت لذلك الفسخ.
وفي قضية تتلخص وقائعها في أنّ الحكومة الليبية وقعت مع شركة B. P عقداً للبحث والتنقيب عن النفط، وبعد مدّة قامت الحكومة الليبية بتأمم شركات النفط مما حدا بهذه الشركة باللجوء إلى قضاء التحكيم، حيث أكَّدت محكمة التحكيم مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي.
ولم تنصّ اتفاقية عمان للتحكيم التجاري لعام 1987م على مبدأ استقلال شرط التحكيم عن اتفاق التحكيم. أما فيما يتعلق باتفاقية نيويورك لعام 1958م، فلم تنصّ صراحةً على مبدأ استقلالية شرط التحكيم، ويرى بعض الباحثين أن المادة الثانية من اتفاقية نيويورك قد نصَّت بصورة ضمنية على استقلالية شرط التحكيم. حيث تقضي الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك بإنّ على محكمة الدولة المتعاقدة التي يعرض أمامها نزاع حول موضوع كان محلّ اتفاق تحكيم، أن تحيل الأطراف بناءً على طلب أحدهم إلى التحكيم، ما لم تبين للمحكمة أنّ هذا الاتفاق باطلٌ.
فهذا النصّ يشير إلى أنّه لو تمَّ بطلان العقد الأصلي أمام المحكمة المختصّة بالنظر في النزاع الناشئ عنه، فإن هذا لا يحول دون قيام هذه المحكمة بإحالة الخصوم إلى التحكيم إعمالاً للأثر الملزم لشرط التحكيم، وذلك في حالة تأكّد المحكمة من صِحَّة شرط التحكيم لإنتاج آثاره وقابليته للتطبيق، الأمر الذي يكشف عن استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، ولو كان باطلاً.
ولقد نصَّ القانون النموذجي لعام 1985م صراحة على مبدأ استقلال شرط التحكيم، وذلك في الفقرة الأولى من المادة السادسة عشر حيث تقول: " يجوز لهيئة التحكيم البت في اختصاصها، بما في ذلك البت في أي اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم أو بصحته. ولهذا الغرض ينظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءاً من العقد كما لو كان اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم ".  
فهذه المادَّة تنصُّ صراحةً، وبما لا يدع مجالاً للشك على مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي.
المطلب الثاني
مشارطة التحكيم
    يطلق بعض الفقهاء على مشارطة التحكيم مصطلح عقد التحكيم، والمقصود بمشارطة التحكيم اتفاق يتمُّ بين الأطراف على تسوية النـزاع الذي نشأ بينهم بالفعل وذلك عن طريق التحكيم، فمشارطة التحكيم هو اتفاق بموجبه تتفق الأطراف على عرض النزاع القائم بينهم على التحكيم للفصل فيه.  ولقد سبق الإشارة إلى أنّ مشارطة التحكيم يتمُّ الاتفاق عليها بعد قيام النزاع في اتفاق لاحق، ومستقلّ عن العقد الأصلي في حالة كون النزاع نشأ عن عقد.
    ولا يجوز اللجوء إلى مشارطة التحكيم إلا في حالة خلو العقد محلّ النزاع من شرط التحكيم، فإذا وجد شرط التحكيم فهو الذي يطبق، ولا يتمُّ إبرام عقد التحكيم بين الأطراف، وتظهر فائدة مشارطة التحكيم في حالة عدم إدراج الأطراف شرط التحكيم عند إبرام الاتفاق الأصلي.
بناءً على ما تقدّم فإنه يلزم لقيام مشارطة التحكيم توفر فرضين:
الأول وجود نزاع قائم بين الأطراف، والثاني رغبة الطرفين في تخويل غيرهما أي (المحكم) لمهمة الفصل في هذا النزاع.
ولقد سبق الإشارة إلى أنّ معيار التفرقة بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم يكمن في أنّ شرط التحكيم يكون قبل حدوث النزاع سواء أكان هذا الشرط بنداً من العقد أو ورد بصورة مستقلّة، كما أوجب المشرع توافر شروط معينة في مشارطة التحكيم، وهذه الشروط لا تتحقق إلا بعد وقوع النزاع فمثلاً يشترط القانون في مشارطة التحكيم تعيين محلّ النـزاع، فإذا لم يعين محلّ النزاع فإن مشارطة التحكيم تكون باطلة، وهذا لا وجود له في شرط التحكيم، حيث لا يشترط تحديد موضوع النزاع في شرط التحكيم، وهذا أمر منطقي إذ إنّ شرط التحكيم يتمُّ الاتفاق عليه قبل حدوث النزاع؛ لذا فهو غير معروف للأطراف عند وضع شرط التحكيم بالعقد.
المطلب الثالث
التحكيم بالإحالة
    في هذه الصورة من صور اتفاق التحكيم يشير أطراف العقد محلّ النزاع إلى وثيقة أخرى تحتوي على شرط التحكيم، وذلك باعتبارها جزءاً من العقد، وغالباً ما توجد علاقة بين العقد الأصلي الذي يتضمن الإحالة، وبين الوثيقة التي تمَّت الإحالة إليها عند إبرام العقد الأصلي لفضِّ نزاع محتمل أن يكون بينهم.  
وينسحب أثر هذا البند أو الشرط إلى العقد الأصلي، وتلتزم أطرافه به، بحيث تكون تسوية المنازعات الناشئة عن ذلك العقد عن طريق التحكيم، دون أن يستطيع الأطراف التنصل من ذلك بمقولة استقلال ذلك العقد الأصلي عن العقد أو الشروط العامة المحال إليها المحتوية على شرط التحكيم.  
ولقد نصَّت المادة الثالثة في فقرتها الثانية من اتفاقية عمان على هذه الصورة من صور اتفاق التحكيم، حيث تقترح إدراج الصيغة التالية في العقود التي تخضع للتحكيم " كلُّ النزاعات الناشئة عن هذا العقد تتمّ تسويتها من قبل المركز العربي للتحكيم التجاري وفقاً للأحكام الواردة في اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري".
فهذا النصّ يدلّ على أن اتفاقية عمان أخذت بهذه الصورة من صور اتفاق التحكيم، ولا توجد إشارة في القانون الليبي، ولا اتفاقية نيويورك إلى التحكيم بالإحالة.
وفيما يتعلق بالقانون النموذجي لعام 1985م فقد نصّ على اتفاق التحكيم بالإحالة في المادة السابعة الفقرة الثانية التي تقضي بأنه إذا تمَّت الإشارة في العقد إلى مستند يشتمل على شرط تحكيم يعتبر هذا بمثابة اتفاق تحكيم، بشرط أن يكون العقد مكتوباً، وأن تكون الإشارة وردت بحيث تجعل ذلك الشرط بمثابة جُزءٍ من العقد.
ومن أهمّ تطبيقات الإحالة في مجال المنازعات البحرية، الإحالة في سندات الشحن إلى مشارطة إيجار السفينة، ففي هذه الحالة يعتبر سند الشحن متضمناً لشرط التحكيم بمجرد الإحالة إلى مشارطة إيجار السفينة التي تتضمن شرط التحكيم.  وقد تتم الإحالة إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم كالإحالة إلى عقد نموذجي في مجال النقل البحري.  
وتجدر الإشارة إلى أنّه يجب أن تكون الإحالة واضحة إلى الوثيقة التي تتضمن شرط التحكيم، فمثلاً في سند الشحن عند النصّ صراحةً على الإحالة إلى مشارطة إيجار السفينة التي تحتوي على شرط التحكيم ففي هذه الحالة يعتبر سند الشحن متضمناً لشرط التحكيم.
ويلاحظ أنّ شرط التحكيم بالإحالة لا يختلف عن شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم في قوته الإلزامية، فمجرد أن تتضمنه الوثيقة المشار إليها في العقد الأساسي يصبح وكأنه منصوص عليه في هذا العقد، ولا يقدح في ذلك ادعاء أحد الأطراف أنّه كان يجهل تضمين الوثيقة له، إذ إنّه بحكم تعامله في نشاط تجاري معين، محلّ تنظيم شروط عامة أو عقود نموذجية يفترض أنّه يعلم به. أمّا إذا كانت الإحالة إلى وثيقة محل تنظيم خاص من أحد الأطراف، أو إلى عقد سابق ليس محرراً بينهما، فإنه يشترط إطلاع الطرف الآخر على هذه الوثيقة لحظة إبرام العقد وقبوله بما ورد فيها من أحكام حتىَّ يحتج عليه بشرط التحكيم الوارد فيها عند حسم النزاع.  
    يتضح لنا مما سبق أنّ الإحالة تُعَدُّ صورة من صُور اتفاق التحكيم بشأن التحكيم إلى أحد العقود، أو الوثائق التي تتضمن شرط تحكيم، ويجب أن تكون الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد.
ولقد قضت محكمة النقض المصرية بأنّه: " لما كان الثابت أنّ شرط التحكيم الذي أحال إليه سند الشحن في البند العاشر منه قد نصّ على أن يكون مقرّ التحكيم في لندن فإن هذا الشرط هو الذي يجب إعماله دون الشروط الواردة في مشارطة الإيجار؛ لأن الإحالة الواردة في سند الشحن إلى الشروط الواردة في تلك المشارطة إنما تكون فيما لم يرد بشأنه نصّ خاصّ بسند الشحن، ومن ثم يكون الحكم أخطأ حين اعتدَّ بشرط التحكيم الوارد بمشارطة الإيجار دون الشرط الوارد بسند الشحن ".  
ويؤكِّد الحكم السابق قبول القضاء المصري لشرط التحكيم الوارد في عقد إيجار السفينة كلما كانت هناك إحالة في سند الشحن إلى شروط عقد الإيجار.
المبحث الثالث
آثار اتفاق التحكيم وإثباته
     عند الاتفاق على التحكيم فهنالك عدَّة آثار تترتب عليه، ويلزم أطراف التحكيم إثبات اتفاق تحكيم؛ لذا سوف تخصص الباحثة هذا المبحث لدراسة آثار اتفاق التحكيم في المطلب الأول، أمّا في المطلب الثاني فسوف تتناول كيفية إثبات اتفاق التحكيم وذلك على النحو الآتي.

المطلب الأول
الآثار المترتبة على اتفاق التحكيم
   إن آثار اتفاق التحكيم نسبية، بمعنى إذا تعددت أطراف العقد الأصلي ووافق بعضهم على شرط التحكيم ولم يوفق آخرون، ففي هذه الحالة شرط التحكيم لا يلتزم به إلا مَنْ وافقوا عليه.  
ومن المعلوم أن آثار اتفاق التحكيم تقتصر على العقد أو العقود المشار إليها في اتفاق التحكيم، فإذا كانت بين الأطراف أكثر من عقد، ونصَّ في أحدهما على حسم المنازعات الناشئة عنه عن طريق التحكيم، فإن هذا الاتفاق لا يسري على باقي العقود الأخرى، إلا إذا تمت الإحالة فيها إلى شرط التحكيم.
ويسري اتفاق التحكيم على المتعاقدين والخلف العام والخلف الخاصّ، ففي حالة وفاة أحد الأطراف فإن اتفاق التحكيم يسري على الورثة، ولقد نصَّتْ على ذلك المادة 750من قانون المرافعات الليبي، حيث لا ينقضي التحكيم بموت أحد الخصوم، وذلك إذا كان ورثته جميعاً راشدين وإنما يمدّ الميعاد المحدد لحكم المحكمين لمدة ثلاثين يوماً.
والملاحظ على هذا النصّ أنّه يشترط لكي يسري اتفاق التحكيم على الورثة أن يكون الورثة جميعاً راشدين، وهذا الشرط الموجود في القانون الليبي يخالف ما ذهبت إليه أغلب القوانين العربية.  إذن يمكن القول إنّ لاتفاق التحكيم آثار نسبية سواءً للأفراد أو العقود.
والآثار المترتبة على اتفاق التحكيم هي كالآتي:
1- يؤدي اتفاق التحكيم إلى سلب الاختصاص من المحاكم القضائية، إذ لا يجوز بعد إبرام اتفاق التحكيم عرض النزاع على المحاكم العادية، ولكن يجوز اللجوء إلى القضاء من أجل طلب تنفيذ الحكم، أو الطعن في الحكم الصادر من هيئة التحكيم.  
علماً بأنّ استبعاد اختصاص المحاكم الوطنية من المجال التحكيمي، لا يعتبر استبعاداً نهائياً، بل هو استبعاد محدود نطاقه بالمنازعات الموضوعية محلّ اتفاق التحكيم، حيث يبقى للمحاكم الوطنية دوراً مهماً في التحكيم، وذلك بالإشراف والرقابة على الإجراءات التحكيمية، فضلاً عن إمكانية التقدم للمحاكم الوطنية لاتخاذ الإجراءات الوقتية أو التحفظية، وكذلك المساعدة في تنفيذ حكم التحكيم.
ولقد نصَّتْ المادة الثانية في فقرتها الثالثة من اتفاقية نيويورك لسنة 1958م على ما يلي: " على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محلّ اتفاق بين الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة أن تحيل الخصوم بناءً على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أنّ هذا الاتفاق باطل، أو لا أثر له، أو غير قابل للتطبيق ".  
وهذا ما أخذ به القانون النموذجي حيث تقضي المادة الثامنة بإلزام المحكمة المختصة أصلاً بنظر في النزاع بإحالته إلى التحكيم متى توافرت شروطه دون أن يعترض ذلك عدم تعيين موضوع النزاع، أو تسمية المحكمين عند اتفاق الطرفين على شرط التحكيم.
2- التزام الأطراف بالخضوع للتحكيم، فهذا الأثر يعكس الطابع الإلزامي لاتفاق التحكيم، والذي تترتب عليه نتيجتان هما التزام أطراف العقد بتنفيذ اتفاق التحكيم بحسن نية، وعدم إمكانية العدول عن اتفاق التحكيم دونما موافقة الطرف الآخر وهذا الأثر يتجاوز أطراف اتفاق التحكيم إلى القضاة المختصين بالنظر في النزاع  حيث يجب عليهم عدم النظر في الدعوى متى تمَّ الدفع أمامهم باتفاق التحكيم.  
3- يخول اتفاق التحكيم المحكمين سلطة الفصل في المنازعات موضوع التحكيم، ويصدر المحكمون أحكاماً لها قوة أحكام القضاء. فهيئة التحكيم إذا وافقت على التحكيم فهي ملزمة باتفاق التحكيم، والتقيد بما ورد فيه من حيث الموضوع، وكذلك الإجراءات المتبعة والقانون الواجب تطبيقه، وفي حالة عدم الالتزام بذلك يكون الحكم الصادر منها معيب، ويحقُّ للأطراف الطعن فيه أمام القضاء.
4- آلية شرط التحكيم، فطالما اتفقت الأطراف على التحكيم فإنه يُطبق بطريقة آلية دون حاجة إلى موافقة الطرف الآخر، أو القيام بأي إجراء من أجل تحريك دعوى التحكيم.
5- يتمتع أطراف اتفاق التحكيم بحقّ الدفع بالتحكيم، إذ من الآثار المترتبة على اتفاق التحكيم أنّ أطرافه لهم الحقّ في الدفع بالتحكيم، وأود أن أشير هنا إلى أن هناك من يرى أن الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم الاختصاص، في حين يرى آخرون أنّ الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم القبول، وهذا الاختلاف بين الفقهاء أدَّى إلى اختلاف  التشريعات، فمثلاً تبنى المشرع الفرنسي فكرة الدفع بعدم الاختصاص، في حين تبنى المشرع المصري فكرة الدفع بعدم القبول.  
وتظهر أهمية هذا الموضوع في أن الدفع بالاختصاص شكلي يكون قبل التكلم في الموضوع ما لم يتعلق بالنظام العام، بينما الدفع بعدم القبول لا يعد دفعاً شكلياً ويكون في أي حالة تكون عليها الإجراءات.
والملاحظ أنّ في الدفع بعدم الاختصاص وكذلك الدفع بعدم القبول يطلب المتمسك بالدفع من المحكمة عدم الفصل في الدعوى، ولكن في الحالة الأولى ينكر اختصاصها وولايتها في نظر الدعوى، بينما في الحالة الثانية ينكر فقط سلطتها في سماع الدعوى. بمعنى في الدفع بعدم الاختصاص يتمسك الخصم بمنع المحكمة من سماع الدعوى؛ لأنها تخرج عن حدود ولايتها، بينما في الدفع بعدم القبول يتمسك الخصم بمنع المحكمة من سماع الدعوى لسبب ما مع تسليمه باختصاصها في النظر في الدعوى.
وعدم اختصاص القضاء في النزاع المتفق على حسمه بالتحكيم هو عدم اختصاص نسبي إذ ينبغي على صاحب المصلحة التمسك به، كما أنّه يجوز لأطراف اتفاق التحكيم النزول عن هذا الاتفاق وقبولهم اختصاص المحاكم الوطنية.
وتفسير ذلك أنّ التجاء أحد أطراف اتفاق التحكيم إلى القضاء يعني تخليه عن اتفاق التحكيم، فإذا حضر الطرف الآخر، وبدأ في تقديم طلباته في موضوع النزاع فهذا يعني أيضاً تنازله عن اتفاق التحكيم، وعلى القاضي الحسم في موضوع النزاع، أمّا في حالة تمسك الطرف الآخر باتفاق التحكيم؛ فإنه يتعين على القاضي الحكم بعدم القبول.
ولم يحسم المشرع الليبي ذلك الأمر الذي جعل المحكمة العليا الليبية تتدخل وتعتبر الدفع بالتحكيم هو دفع بعدم القبول وذلك بقولها: "لم يرد بالحكم المطعون فيه أي إشارة إلى إبداء دفع من الطاعن بعدم قبول الدعوى، تمسكاً بشرط التحكيم المنوّه عنه في العقد، ولما كان من المقرر أنّ الاتفاق على التحكيم أمر يتعلق بمصلحة الخصوم أنفسهم، ولا علاقة له بالنظام العام، فإنّ هذا الاتفاق لا يخرج النزاع من اختصاص المحكمة باعتبار أنّ الفصل في الخصومات بين الناس أنيط بالمحاكم، وحيث إنّ الطاعن أبدى دفاعه في الموضوع أمام المحكمة، ولم يتمسك بشرط التحكيم فإنّ حقه في هذا الدفع قد سقط، حيث يجب إبداء الدفوع الشكلية دفعة واحدة وقبل الكلام في الموضوع ".  
ومن المهم التنويه إلى أنّه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم القبول من تلقاء نفسها، بل يجب أن يتمسك به الخصوم، فهو كما أشارت المحكمة العليا ليس من النظام العام، وفي هذا المضمار ينبغي على المشرع الليبي النص على نوع الدفع بالتحكيم هل يعتبر دفع بعدم القبول أو بعدم الاختصاص، فهو أمر في حاجة إلى حسم أي نصّ قانوني واضح ولا يجوز تركه للمحاكم لتقرر فيه.

Admin
Admin

المساهمات : 57
تاريخ التسجيل : 24/05/2017
الموقع : البيضاء - ليبيا

https://aladellabya.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى