مجلس كبار المستشارين دولة ليبيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم 2

اذهب الى الأسفل

الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم 2 Empty الصياغة القانونية لاتفاق التحكيم 2

مُساهمة من طرف Admin الأحد مايو 28, 2017 1:41 pm


المطلب الثاني
إثبات اتفاق التحكيم
اختلفت القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية في اشتراط كتابة اتفاق التحكيم، فبعضها يعتبر الكتابة شرطاً من شروط صِحَّة اتفاق التحكيم، حيث لا وجود للعقد بدونه، ولا يقوم العقد حتى بالإقرار ولا يمكن إثبات باليمين فهذا الاتجاه يعتبر اتفاق التحكيم من العقود الشكلية كالهبة والوصية.
ووفقاً لهذا الرأي إذا تم الاتفاق على التحكيم شفوياً فإنّ هذا الاتفاق يكون باطلاً، ولا تترتب عليه أي آثار؛ وذلك لمخالفته للقانون حيث يشترط المشرع في اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً سواءً أكان شرط تحكيم، أو مشارطة تحكيم.
في حين نهج بعض الباحثين نهجاً مختلفاً إذ اعتبر الكتابة شرطاً للإثبات فقط، ووفقاً لهذا الرأي يعتبر اتفاق التحكيم من العقود الرضائية، إذ يكفي لانعقاده تراضي أطراف الخصومة على اللجوء إلى التحكيم للفصل في النزاع الحاصل بينهم، حيث ينعقد اتفاق التحكيم بمجرد التراضي.
وفيما يتعلق بالقانون الليبي فأنّه يوجد خلاف بين الباحثين هل تعتبر الكتابة شرطاً للإثبات أم شرطاً لصِحّة اتفاق التحكيم ؟
يرى بعض الباحثين اعتبار الكتابة وسيلة لإثبات اتفاق التحكيم، فالمادة 742 من قانون المرافعات الليبي تنص على أنّ " لا تثبت مشارطة التحكيم إلا بالكتابة "  فمن هذا النصّ يتَّضح أنّ المشرع الليبي اعتبر كتابة اتفاق التحكيم وسيلة لإثباته فقط، وذلك لأنَّ هذا النّص جاء تحت عنوان إثبات مشارطة التحكيم.    
ووفقاً لهذا الرأي يعتبر النصّ صريح الدلالة في استلزام الكتابة في مشارطة التحكيم، والكتابة المشار إليها في نصّ المادة آنفة الذكر هي شرط للإثبات، وليست شرطاً من شروط صِحّة العقد، كما أنّ النصّ جاء مطلقاً حيث أشار إلى مجرد الكتابة دون أن يكون في ورقة رسمية أو عرفية. وتتحقق الكتابة وفقاً لنصّ القانون إذ وردت مشارطة التحكيم في رسائل، أو برقيات متبادلة بين الطرفين.
وبالرغم من الحجة التي ساقها الاتجاه السابق إلا أنَّ الباحثة تؤيد الرأي القائل بأن شرط الكتابة في اتفاق التحكيم هو شرط لصِحّته، وليس لمجرد إثبات اتفاق  التحكيم، والدليل على ذلك أنّ المشرع الليبي يعتبر شرط التحكيم الوارد في وثيقة التأمين باطلاً إذا ورد في الوثيقة بين شروطها العامة، وليس في صورة اتفاق خاصّ منفصلٍ عن الشروط العامة، وهذا ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 750 من القانون المدني الليبي حيث تقضي بأنّه يقع باطلاً ما يقع في وثيقة التأمين من الشروط الآتية وذكرت من ضمن هذه الشروط "شرط التحكيم إذا ورد في الوثيقة بين شروطها العامة المطبوعة لا في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة ".
فاتفاق التحكيم إذن يكون باطلاً ما لم يتمَّ الاتفاق على تحديده خطياً، فالمشرع لم يلزم أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً من أجل الإثبات فحسب، بل ألزم أن يكون وارداً ضمن شروط العقد الخاصّة، لأنه في هذه المادة يفرق بين الشروط العامة والشروط الخاصّة التي تتضمن حقوقاً من الخطورة بحيث يجب أن يكون موضوع عناية خاصة عند التراضي، وبناءً على ذلك فإن شرط التحكيم يجب أن يرد ضمن العقد، وضمن شروطه الخاصة، وهو مشروط ليس لإثبات شرط التحكيم، وإنما لصِحّته ولعل من الأفضل أن يوقع الطرفان على الشروط الخاصّة، فضلاً عن توقيع العقد؛ لتأكيد التراضي على هذا الشرط المهمّ.
كما أنّ المشرع الليبي يعتبر التحكيم طريقاً استثنائياً لحسم المنازعات ولقد نَصّت المادة 150 من القانون المدني الليبي على ذلك بقولها: " تسري على الطرف الآخر شروط العقد العامة التي يضعها أحد المتعاقدين إذا كان على علم بها وقت إبرام العقد أو كان من المفروض أن يعلمها حتماً لو أعارها انتباه الشخص العادي.
وعلى كلّ حال لا أثر لشروط تحد من المسؤولية أو تحلل من العقد أو توقف تنفيذه إذا كانت لصالح من وضعها، ولا أثر لشروط تفرض على المتعاقد الآخر سقوط المدة وتحديد صلاحية الاعتراض بالدفوع أو قيود تمسّ حرية التعاقد في العلاقات مع الغير وتمديد العقد وتجديده، ولا أثر كذلك لشروط التملك أو الحد من صلاحية القضاء إذا لم يتمَّ الاتفاق على تحديدها خطياً "
فهذا النص يعتبر أي تصرف يؤدي إلى الحد من حقّ اللجوء إلى القضاء يجب أن يكون مكتوباً، إذن فالكتابة هنا شرط لصحة اتفاق التحكيم باعتبار التحكيم يحدّ من حق اللجوء إلى القضاء.
ولقد تبنت اتفاقية نيويورك، وكذلك القانون النموذجي الرأي القائل بأن الكتابة شرط لصِحَّة العقد، إذ يترتب على تخلف الكتابة بطلان اتفاق التحكيم، سواء في صورة شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم. حيث نصَّت المادة الثانية من اتفاقية نيويورك على أن " تعترف كلُّ دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم في كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقديّة أو غير التعاقديّة المتعلِّقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم ".
وحددت الفقرة الثانية من هذه المادة المقصود بالكتابة، إذ تقضي بأنّه يقصد باتفاق التحكيم شرط التحكيم الوارد في عقد، أو اتفاق التحكيم الموقّع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذي تضمنه الخطابات المتبادلة أو البرقيات.  
ولقد ألزمت الفقرة الأولى من المادة الثانية  من اتفاقية نيويورك كلّ دولة بأن تعترف بأي اتفاق مكتوب يتفق بمقتضاه الطرفان بأن يحيلوا إلى التحكيم كلَّ أو جزءاً من الخلافات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بالنسبة لعلاقة قانونية محددة سواء كانت تعاقديّة أو غير تعاقديّة وتتصل بموضوع يمكن حسمه عن طريق التحكيم، وعليه يكون لأي دولة الحقّ في عدم الاعتراف بأي اتفاق غير مكتوب حتى لو اكتملت فيه باقي الشروط التي تمَّ النصّ عليها في تلك الفقرة من الاتفاقية فشرط الكتابة هنا هو شرط إلزامي لابدّ من وجوده، وإغفاله يعفي الدولة من الاعتراف بهذا الاتفاق.
كما حددت الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية نيويورك، معنى الاتفاق المكتوب أو بمعنى أوضح كيفية تحقيق شرط الكتابة المنصوص على إلزام وجوده في الفقرة الأولى، وقد تم النصّ على أنّ شرط الكتابة يعد موجوداً إذا ما كان شرط التحكيم يرد في عقد أو أي اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل، أو برقيات متبادلة.
وتستكمل الفقرة الثالثة ما تمَّ النصّ عليه في الفقرتين السابقتين حيث تقول يجب على المحكمة في أي دولة متعاقدة عندما يعرض عليها نزاع في مسألة أبرم الطرفان بشأنها اتفاقاً بالمعنى المستخدم في هذه المادة أن تُحيل الطرفين إلى التحكيم بناءً على طلب من أي طرف منهما ما لم يتبين لها أن هذا الاتفاق لاغٍ، وباطل، أو غير منفذ، أو غير قابل للتنفيذ.
ففي هذه الحالات الأربع التي نصَّتْ عليها الفقرة الثالثة يكون من حقِّ الدولة التي عرض عليها نزاع يُراد حسمه عن طريق التحكيم، أن ترفض إحالة طرفي الاتفاق إلى التحكيم رغم وجود اتفاق بينهما.
ولقد نصَّت المادة السابعة في الفقرة الثانية من القانون النموذجي لعام 1985م  على أنّه: " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، ويعتبر الاتفاق مكتوباً إذا ورد في وثيقة موقّعة من الطرفين أو في تبادل رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي تكون بمثابة سجل للاتفاق، أو في تبادل المطالبة والدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين وجود اتفاق ولا ينكره الطرف الآخر، وتعتبر الإشارة في عقد ما إلى مستند يشمل على شرط تحكيم بمثابة اتفاق تحكيم، شريطة أن يكون العقد     مكتوباً، وأن تكون الإشارة وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءاً من العقد ".
من النصّ السابق يتّضح أن القانون النموذجي لا يشترط الشكلية في الكتابة بمعنى أن أي وسيلة من وسائل الاتصال يمكن أن تكون دليلاً لإثبات اتفاق التحكيم.
أما فيما يخصّ اتفاقية عمان فإنه يمكن استنتاج اشتراط الكتابة من المادة الأولى التي عرَّفت اتفاق التحكيم بأنّه اتفاق الأطراف كتابة على اللجوء إلى التحكيم سواء أكان هذا الاتفاق قبل نشوء النزاع أو بعده، وكذلك من نصّ المادة الثالثة التي تنصّ على ما يلي
1- يتمُّ الخضوع للتحكيم بإحدى طريقتين: الأولى بإدراج شرط التحكيم في العقود المبرمة بين ذوي العلاقة والثانية باتفاق لاحق على نشوء النزاع.
2- يقترح إدراج الصيغة التالية في العقود التي تخضع للتحكيم في كلّ النزاعات الناشئة عن هذا العقد والتي يتمّ تسويتها من قبل المركز العربي للتحكيم التجاري وفقاً للأحكام الواردة في اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري ".  
لقد عالجت هذه المادة كيفية الاتفاق على التحكيم، واقترحت في فقرتها الثانية شرطاً نموذجياً من الممكن إدراجه في العقود التي يراد إخضاع المنازعات الناشئة عنها للتحكيم، وبهذا تكون اتفاقية عمان قد أخذت بالكتابة لإدراج الشرط في العقد أو لتنظيم اتفاق لاحق حول حسم النزاع بالتحكيم.
والملاحظ من النصوص السابقة اشتراطها الكتابة في اتفاق التحكيم ولكنها لم تشترط شكلاً معيناً أو صياغة خاصّة لاتفاق التحكيم، فقد يلجأ الأطراف إلى توثيق اتفاق التحكيم بمعرفة الموثق أو التصديق على توقيعاتهم أو يكتفون بتحريرها في ورقة عرفية وذلك لأن الكتابة وحدها تكفي لإثبات العقد.
أخيراً، يمكن القول بأنّ القانون الليبي والاتفاقيات الدولية تنصّ على مجموعة من الشروط يجب توافرها في اتفاق التحكيم. وتوجد عدّة صور لاتفاق التحكيم الذي قد يكون قبل حدوث النـزاع، وقد يبرم من أجل حسم نزاع قائم، ويشترط القانون الكتابة في اتفاق التحكيم، ولكن القانون الليبي والاتفاقيات الدولية لم تشترط الكتابة بشكل محدد أو استعمال ألفاظ وعبارات محددة، فيمكن أن يكون اتفاق التحكيم عبارة عن رسائل، أو تلكسات، أو برقيات متبادلة بين الأطراف، أو غيرها من وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي فكلّ هذه الوسائل يمكن أن يثبت بها اتفاق التحكيم.
المبحث الرابع
كيفية صياغة اتفاق التحكيم
    إن صياغة اتفاق التحكيم تقتضي منا أولاً: التعريف بالصياغة القانونية وثانيا: عرض أهم الموضوعات التي يجب أن يشملها اتفاق التحكيم حتى يأتي هذا معبرا عن القصد الحقيقي لأطرافه ومنجزا لأثاره القانونية.
وسنعرض لهاتين النقطتين في مطلبين وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول
تعريف الصياغة القانونية
    الصياغة - بصفة عامة - هي الأداة التي يجرى بمقتضاها نقل التفكير القانوني من الحيز الداخلي الى الحيز الخارجي، فهي ببساطة أداة للتعبير عن فكرة كامنة لتصبح حقيقة اجتماعية يجرى التعامل على اساسها وبالتطبيق لذلك فأن صياغة العقد تعني التعبير عما يريده أطرافه بطريقة تنقل المعنى المراد مما يقيم تواصلاً بينهم، وكلما التزمت الصياغة بالأصول التي تكفل تحقيق هذا الهدف كلما تضاؤل احتمال نشوء منازعات بين طرفي العقد، وتنعدم الحاجة بالتالي الى اللجوء الى وسائل تسويتها.
    وأطراف العقد يرغبون عادة تجنب سلوك التقاضي، فإن القائم بالصياغة يمكن أن يساعد في تحقيق هذه الرغبة عن طريق التنبؤ بنقاط الخلاف ومحالة وأدها أي تسويتها في المهد لدى صياغة العقد ومن الواضح صياغة محرر ما تفترض استخدام لغة معينة في الكتابة الأمر الذي يتطلب من القائم بالصياغة أن يضع في اعتباره المعاني المختلفة سواء الظاهرة أو المضمرة ، ويحدد بدقة المعنى المطلوب التعبير عنه لهذا فان القائم بالصياغة يحتاج الى وقت كاف لكى يضمن تطابق الكلمات المختارة مع المفاهيم المراد التعبير عنها  وترجع أهمية انتقاء الكلمات في الصياغة القانونية الى ان أداة كل مهنة في عملها تتحدد في ضوء طبيعة عملها ، فهي بالنسبة للمحاسب الأرقام وبالنسبة للكيميائي الرموز ، أما بالنسبة لرجل القانون فان أداة عمله الرئيسية هي الكلمات والجمل وعلامات فصل الكلام ، لهذا يجب الاعتناء باختيار الكلمات لدى الصياغة القانونية والتدقيق في اختيار الاسماء لتتطابق مع مسمياتها الحقيقة ، فالكلمات هي مفتاح الافكار  لذلك يتعين الاختيار بين الكلمات التي وأن أمكن أن يؤدى ظاهرا الى معانى متقاربة إلا أنها تختلف في المعنى في المصطلح القانوني الدقيق ، وذلك مثل البطلان والانعدام والفسخ والانفساخ فهي تشير الى زوال العمل القانوني محل البحث ولكن عناصرها وأثارها تجعل لكل كلمة منها معنى مختلف الأمر الذى يلزم القائم بالصياغة التدقيق في اختيار المصطلح الذي يعبر عن حقيقة المعنى المراد.
    لذلك فإن حسن اختيار أدوات الصياغة يعد من لوازم صحتها ومن المفروض أن يكون رجل القانون على دراية بقواعد اللغة التي يكتب بها أعماله، وهو ما سبق أن تلقاه في دور العلم واستخدامه في مجالات أخرى ، أما في المجال القانوني فإن قيام رجل القانون بصياغة أعماله تتطلب فضلا عن معرفة قواعد اللغة، قدرته على اختيار الكلمات التي تكفل للصياغة أداء وظيفتها في نقل الأفكار الى الآخرين بحث تصل الفكرة الى من توجه اليه بالمعنى المراد ومن هنا يلزم مراعاة الدقة في عرض الافكار بحيث لا يتغير معنى الكلمة عند اتصالها بعلم الآخرين .
ويجب أن يعلم أطراف العقد أن أيه كلمة في العقد أيا كان موقعها إنما تعنى شيئا معينا وليس من السهل أن تسلم بأن كلمة ما إنما وردت في العقد اعمالا لمتطلبات البلاغة أو حسن الكلام.
ولكي تحقق الصياغة لأهم أهدافها وهو إنجاز العمل المطلوب صياغته يتطلب بناء العقد بأسلوب واضح وبسيط ولكنه في نفس الوقت منضبط وذلك كله في حدود ما يسمح به النظام القانوني ذو الصلة بموضوع العقد. وينبغي أن ندرك أن الصياغة خليط من الفن والعلم ، وانه اذا كان يمكن تعلم مبادئ الصياغة فانة من الصعب التمكن من الصياغة ولسوء الحظ أن كلا من القائمين بالصياغة القانونية من غير المتخصصين في هذا المجال لا يقدرون قيمة فنون الصياغة الجديدة فرب العمل لا يهمه ما يبذل للوصول الى الصياغة النهائية للعقد بقدر ما يهمه سرعة أنجاز العمل المطلوب، وكذلك فإن التبسيط المخل بوظيفة الصياغة هو نتيجة حتمية للجهل بأصولها، وفى جميع الأحوال فإنه من الصعب اقناع أصحاب مهنة المحاماة بصفة عامة، بأن الصياغة تحتاج الى مهارات خاصة وبالتالي الى ممارسات مستمرة وخبرة مكثفة وقد ترتب على ذلك أن سـاد الاعتقاد بان الصياغـة لا تعدو أن تكـون  تمرينا لغويا ليس له أهمية في الحياة العملية وهو اعتقاد يكذبه الواقع العملي الذى تشهده قاعـــات المحاكــم وهيئــات التحكيـم ناهيك عن الخسائـر المحققة التي بتكبدها ذلك المتعاقــد الذى أهمل في الاستعانة بخبـراء الصياغـة لكفالـة توازن المصالح في العملية العقـدية ، وهو ما تعانى منه الدول النامية .
إن أهم الصعوبات التي تواجه المستشار القانوني أثناء صياغة اتفاق التحكيم الحصول على معلومات حول أطراف العقد من التحكيم من ناحية وحول النظم الرئيسة للتحكيم المؤسسي والمبادئ المشتركة في التحكيم والاتفاقيات الدولية المتعلقة بأحكام التحكيم الأجنبية من ناحية أخرى ، فإذا كانت العلاقة التعاقدية تربط بين أطراف من بينها دولة نامية فينبغي التعرف على ظروفها الاقتصادية والسياسية  والاجتماعية التي تقوم بدور بارز في تحديد موقفها من أساليب تسوية المنازعات مع الأجانب ، ويسعى المستشار القانوني الى الحصول على هذه المعلومات من كافة المصادر المتاحة كأحكام التحكيم الصادرة في منازعاتها السابقة وكمراجع الاتفاقيات الدولية ليستخلص منها مدى ارتباط الدولة المذكورة بها ، وقد ترد بنود اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم في العقود طويلة المدة كوسيلة لفض منازعاتها المحتملة وقد يرد في صورة اتفاق لاحق على حدوث المنازعة (مشارطه التحكيم ).
ويجب أن يكون اتفاق التحكيم أو (شرط التحكيم) واضحا، وأن يكون مستوفيا لموضوع النزاع ذاته، وعلى الرغم من علم الأطراف بذلك إلا أنهم غالبا لا يعتنون بصياغته صياغة جيدة، لأنه في أغلب الاحيان يظهر اتفاق التحكيم في نهاية العقد مما يجعل المتعاقدين الذين أنهكهم التفاوض يمرون عليه مر الكرام. ولكن عندما ينشب النزاع يصبح شرط التحكيم ـ بعد ثبات عميق لسنوات عديدة ـ فجأة أهم شرط في العقد وينتبه الأطراف عندئذ الى أنهم لم يولوا صياغة هذا الاتفاق ما يستحقه من عناية.
ويمكن رد الموضوعات التي ينبغي على المستشار القانوني معالجتها الى ثلاثة موضوعات أساسية هي:
1ـ تحديد نطاق النزاع.
2ـ تشكيل هيئة التحكيم.
3ـ القواعد الإجرائية والموضوعية لحين صدور الحكم وتنفيذه.
ويتفرع عن هذه الموضوعات مسائل عديدة، منها نوع التحكيم المختار وتعيين المحكمين وقواعد الاجراءات والقانون المطبق على موضوع النزاع واللغة المستخدمة ومدة التحكيم وتكاليفه وصدور الحكم وإمكانية اللجوء الى المحاكم الداخلية لاستصدار أوامر وقتية أو الطعن في الحكم وأخيرا تفسير الحكم وتنفيذه.
ويرى بعض الفقه المقارن وايضا على المستوى العملي أن اتفاق التحكيم يكون جيدا عندما يستوفى الشروط التالية:
أ ـ أن يكون اتفاق التحكيم مستوفياً لموضوع النزاع، فيجب أن يشمل جميع مشاكل التحكيم المتوقعة والعمل على استبعاد أو تقليل ـ الى اقصى حد ـ نقاط الشك والمفاجآت.
ب ـ أن ينتج الاتفاق أثرا إلزاميا لأطرافه ولا يجب أن يترك المسألة لاتفاق لاحق بين الأطراف أو لموافقة جديدة من أحدهم.
جـ -يستبعد الاتفاق اي تدخل من جانب محاكم الدولة لتسوية النزاع، على الاقل قبل صدور قرار التحكيم.
د ـ أن يخول الاتفاق للمحكمين السلطة لحسم الخلافات التي تحال إليهم.
هـ -أن يكون قرار التحكيم قابلا للتنفيذ الجبري بسرعة وفاعلية.
والجدير بالذكر أنه لا يوجد نموذج موحد لصياغة بنود اتفاق التحكيم يتسق مع خصوصيات كل عقد من العقود الدولية ويشبع حاجات أطرافها ويتفق مع مواقفها المعروفة ففضلا عن اختلاف مواقف الدول من قواعد التحكيم فأنها تختلف ايضا من حيث مقتضيات النظام العام بالنسبة لكل موضوع ولذلك فان الصياغة الخاصة لبنود اتفاق التحكيم تتحدد في ضوء خصوصيات العلاقة التعاقدية وظروف أطرافها.
المطلب الثاني
الموضوعات التي يجب أن يشملها اتفاق التحكيم
يجب أن يشمل اتفاق التحكيم عدة موضوعات.
1 ـ حسم النزاع عن طريق التحكيم:
    وقد يعطى شرط التحكيم الاختصاص لحل النزاع لمحكمة الدولة بينما يقرر الاتفاق أنه " احتياطيا" اتفاق الاطراف على احالة خلافاتهم الى التحكيم بغرفة التجارة الدولية "CCI " بباريس، ويثور السؤال حول المعنى الصحيح لعبارة " احتياطياً " فاذا لجأ الاطراف للتحكيم فماذا سيكون الوضع القانوني إذا رفع أحد الاطراف الامر الى محكمة الدولة في حين أن الطرف الآخر يطلب التحكيم من غرفة التجارة الدولية   "CCI".
لذا يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا بطريقة صريحة واضحة لا غموض فيها وقاطعة بأن يعهد للمحكم أو المحكمين حسب الأحوال سلطة الفصل في النزاع القائم أو المحتمل بين الأطراف يجب أن يخول اتفاق التحكيم للمحكمين سلطة الفصل في النزاع بصورة قاطعة لا لبس فيها، فيجب أن يحال النزاع للتحكيم وجوباً مع استبعاد أية طريقة للتسوية.
2ـ تحديد نطاق موضوع النزاع:
تختلف صياغة اتفاق التحكيم في هذه النقطة بحسب ما إذا كان يراد تحديد موضوع معين ليعرض على هيئة التحكيم، أو كانت نية الاطراف متجهة الى بسط اتفاق التحكيم على كل المنازعات المتعلقة بالعقد، وبهذا التحديد تستطيع هيئة التحكيم أن تقف على حدود اختصاصها فلا تتعداه والا كان حكمها باطلا.
بيد أنه يفضل أن يتم تحديد المنازعات بأسلوب واسع مخالفة أن تفلت بعض المنازعات من الموضوع من الخضوع للتحكيم. وبناء علية يفضل أن تكون الصيغة على النحو التالي " يخضع للتحكيم كل المنازعات المتعلقة بهذا العقد " وذلك حتى تشمل جميع المنازعات سواء المتعلقة بالتفسير أو التنفيذ أو عدم التنفيذ أو عدم التنفيذ بصيغة عامة أو حتى المنازعات المتعلقة بالعقد الأصلي ذاته.
3ـ نوع التحكيم المختار:
         يصاغ اتفاق التحكيم في ضوء اختيار أطراف النزاع لطريقة التحكيم الحر أو الخاص (Ad hoc) أو لطريقة التحكيم المؤسسي (Arbitrage institutional) ففي الحالة الأولى يتعين على المستشار القانوني أن يصيغ اتفاق التحكيم بطريقة تعكس رغبة أطراف النزاع في كيفية التواصل الى تسوية، ولذلك فان تفصيلات هذا الاتفاق تختلف من حالة لأخرى باختلاف خصوصيات كل نزاع وتباين رغبات طرفيه. أما في التحكيم المؤسسي فإن الإحالة إليه تعنى في الأصل الأخذ بقواعده الموحدة إلا إذا أجاز النظام مخالفتها ومثل هذه الإحالة تعفى المستشار القانوني من التصدي لكل تفصيلات اتفاق التحكيم اكتفاء بما ورد في شأنها في نظام التحكيم المؤسسي المختار ولا شك أن الأخذ بنظام تحكيم مؤسسي يتميز عن التحكيم الخاص في أنه على حين أن الاتفاق على هذا الأخير قد يغفل تنظيم بعض المسائل. فان النظام الأول يضع تنظيما مسبقاً ومفصلا لمعظم مسائل التحكيم هذا فضلا على أن التحكيم المؤسسي يقدم خدمات جهة متخصصة في مراقبة سير الاجراءات.
وتتميز الإحالة  الى تحكيم مؤسسي يترتب عليها الاخذ بما ورد في نظامه القانوني فيما يتعلق بطريقة اختيار المحكمين والقواعد القانونية الواجبة التطبيق هذا الا اذا اتفق على خلافها، ومن الممكن أن يتولى الاطراف بأنفسهم تنظيم سير الاجراءات مع الاتفاق على تخويل ادارة تحكيم مؤسسي معين مهمة رعايتها كما أنه من المتصور ان يختار الاطراف تنظيم الاجراءات وفقا لقواعد تنظيم دولي معين مثل نظام اليونسترال للتحكيم على أن يقوم جهاز تحكيم مؤسسي أخر برعاية الإجراءات، اذا اتفق الاطراف على جواز تعديل بعض احكام لائحة نظام التحكيم التي وقعت عليها الاختيار، فيجب الا يكون التعديل مما يترتب عليه تشويه أو تحريف لهذا النوع من التحكيم أو أن يضع التحكيم في صورة خارج اطار التحكيم النظامي ويصبح بذلك دور هذه الغرفة محدوداً  كسلطة تعيين المحكمين.
ويعتبر شرط التحكيم الأكثر خطورة هو ما يسمى في العمل " شرط التحكيم على بياض " أو " شرط على بياض " بمعنى أن الشرط ينص على أن يسوى النزاع عن طريق التحكيم ولكن دون تحديد لأي بند من بنود التحكيم ويثير هذا النوع من الشروط الكثير من المشاكل نظراً للخلافات التي قد تثور بين الاطراف فيما بعد سواء فيما يتعلق بتعيين المحكمين أو تنظيم الاجراءات ونحو ذلك.
4ـ تشكيل هيئة التحكيم:
    يجب ان يكون اتفاق التحكيم واضحا ومحدداً من حيث تشكيل هيئة التحكيم فاذا شكلت الهيئة بصورة غير قانونية وبصورة لا تعكس حقيقة رغبة الاطراف في هذا التشكيل يترتب على ذلك عدم تنفيذ قرار هيئة التحكيم، لضمان الاداء الفعال لإجراءات التحكيم ولتيسير عملية اتخاذ القرارات يكون من الافضل تحديد عدد فردى للمحكمين ويتمخض اسلوب اختيار المحكم الفرد عن اقتصاد في النفقات ولكن هذا الاسلوب لا يكفل تمثيل الخلفيات الثقافية لأطراف النزاع في حالة تعددهم ولذلك فان الذي يجرى عليه العمل هو تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين يختار كل من الطرفين محكمه ثم يتفقا على المحكم الثالث الذي يكون في العادة رئيس الهيئة ويتعين الاتفاق على جنسية المحكم الفرد أو المحكم الثالث.
الواقع أن تشكيل الهيئة في بداية الاتفاق يكون له محل إذا كان النزاع قد وقع فعلا أما الاتفاق في مرحله مبكرة قبل وقوع أي نزاع فلا يستدعي تعيين اعضاء هيئة التحكيم ولا يجري عادةً هذا التعيين إلا بمناسبة وقوع النزاع ومحاكم الدولة لا تتدخل في التعيين إلا عند عدم أمكان الاتفاق بين الاطراف علي أسماء المحكمين أو بعضهم.
وقد جري العرف الدولي علي تحديد جهة معينه للمساعدة في تعيين المحكم الفرد  أو المحكم الثالث في حالة اخفاق الأطراف في الاتفاق عليه ومن الافضل أن تكون هذه الجهة هي نفسها التي ترعي آثار التحكيم والسلطة المخولة بالتعيين يمكن أن تتمثل في إدارة تحكيم مؤسسي معين كغرفة التجارة الدولية بباريس أو رئيس هيئة قضائية مختاره أو شخصية مرموقة تحمل جنسية دوله ثالثه أما بالنسبة لشروط عضو هيئة التحكيم فإنها تتركز في الكفاءة والخبرة وبالنسبة للمحكم الثالث فإن ضمان حياده يتطلب تمتعه بجنسية أخري غير جنسيات أطراف النزاع.
5-حدود اختصاص المحكمين:
يجب أن يحدد بعناية اختصاص المحكمين في اتفاق التحكيم خاصة في القوانين التي تنظر للتحكيم على أنه استثناء وتضع تفسيراً ضيقاً لاتفاق التحكيم ، فأي تجاوز من جانب هيئة التحكيم لحدود مهمتها سيفسر بشكل ضيق يترتب عليه بطلان قرارها على الاقل في جزء منها ، وتختلف صياغة اتفاق التحكيم في هذه المسألة بحسب ما إذا كان يراد تحديد موضوع مخصوص ليعرض على هيئة التحكيم أو كانت نية الأطراف متجهة الى بسط شرط التحكيم على كل المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد، وبهذا التحديد تستطيع هيئة التحكيم أن تقف على حدود اختصاصها فلا تتعداها وإلا كان قرارها باطلاً.
6 – إجراءات سير التحكيم:
يتضمن اتفاق التحكيم الجيد تنظيم إجراءات سير التحكيم وهي القواعد التفصيلية الواجبة التطبيق على إجراءات سير المنازعة من وقت تقديم الطلب الي حين صدور الحكم فيها.
وكذلك من المفيد تنظيم قواعد سير المرافعات وميعاد تقديم المستندات والشهود حسب الاحوال – قد يكون من المناسب أو غير المناسب -قبول سماع الشهود (بإقرارات كتابيه مؤيده بحلف اليمين) أو طريقة استجواب عن طريق توجيه الاسئلة للشهود ...الخ والانابة في الحضور وتنحي المحكمين وكذلك الشروط الخاصة التي تسمح بالإحكام الجزئية وانقطاع سير الخصومة والخبرة الفنية المطلوبة في هذا الصدد والتي يتوقف عليها غالبا مصير التحكيم وتسبيب القرار وإمكانات الطعن فيه وغير ذلك من الإجراءات.
تختلف الإجراءات التي يتبعها المحكمون بحسب نوع التحكيم وبعبارة أخري فان إجراءات التحكيم تختلف حسبما إذا كان التحكيم المختار تحكيم خاص او تحكيم مؤسسي وفيما يتعلق بالتحكيم المؤسسي فمن البديهي أنه عندما يختار الاطراف مؤسسة معينه لكي تدير التحكيم فان نظام هذه المؤسسة الموضوع من قبل يطبق بقوة القانون ومن ثم فهذا النظام لا يثير ادني مشكله لان اختيار الاطراف لمؤسسة ما يعني انهم وافقوا على تطبيق نظامها فيما يتعلق بإجراءات التحكيم.
وذهب بعض الفقه الي تفضيل الإحالة الي النظام الموضوع بواسطة الامم المتحدة والمعروف باسم اليونسترال لأنه عبارة عن تأليف ومزج منسق بين عدد معين من القوانين ونظم التحكيم المطبقة في العالم.
أما فيما يتعلق بالتحكيم الخاص يستطيع الاطراف الاختيار بين حلين الاول ان يقوموا هم أنفسهم بتحديد الاجراءات الضرورية ويتركوا الاجراءات الأخرى يحددها المحكمون أنفسهم الثاني أن يقوموا باختيار اجراءات موضوعة، من قبل سواء في قانون وطني معين أو لدي مؤسسه من مؤسسات التحكيم الدائمة.
ومن صفات الصياغة الجيدة لاتفاق التحكيم (مشارطة التحكيم) أن يتفق الاطراف على مدة محددة لإجراءات التحكيم فيجب عليهم الاتفاق علي الحد الأقصى لمدة التحكيم مع النص علي إمكانية مدها في حالة الضرورة أما اذا احيل النزاع الي مؤسسة تحكيم دائمة فان مدة الاجراءات تتحدد وفقا لنظامها القانوني.
الاصل في التحكيم الخاص ان يتحدد القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع باختيار اطراف العقد بقانون له صله بعناصره ومن الممكن ان يحدد الاطراف هذا القانون مباشرةً او ان تجري الإحالة علي قواعد تنازع القوانين في دولة معينه ويراعي هنا ان بعض الدول النامية وان كانت تحرص علي اختيار قانونها الداخلي ليطبق علي النزاعات المحتملة مع الاطراف الاجانب الا ان صياغة بند القانون المطبق قد ترد في صوره تسمح بتطبيق قواعد اخري كالقانون الدولي في حالات معينة أو تعلق تطبيق القانون الداخلي علي شرط اتساقه مع مبادئ القانون الدولي وفي جميع الحالات يقوم المستشار القانوني بصياغة هذا البند ليعبر دون لبس عن رغبة الاطراف الا ان الغموض الذي قد يحيط بمثل هذا البند يمكن ان يسبب اشكالات امام هيئة التحكيم التي قد تختار تطبيق قانون معين لم يكن احد طرفي النزاع يتوقع تطبيقه.
ويجوز لأطراف العقد تخويل هيئة التحكيم سلطة اختيار القانون المناسب فاذا صيغ البند على هذا النحو فان هيئة التحكيم تختار القانون المطبق في ضوء خصوصيات العقد ومؤشراته وهي عادة ما تطبق القانون الاكثر ارتباطا بموضوع النزاع ويمكن تحديد هذا القانون بالرجوع الي قواعد تنازع القوانين في قانون مقر التحكيم.
وإذا احيل النزاع الي هيئة تحكيم مؤسسي فقد يختار أطراف النزاع تطبيق القانون الذي يدل عليه نظام هذه الهيئة، وقد يتفق الاطراف على تطبيق العادات السارية في مجال معين، أو الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدل والإنصاف، وأخيرا يمكن صياغة البند على نحو يفوض به المحكم بالصلح دون التقيد بقواعد قانونية بحته ويتعين ان يراعي ان بعض الانظمة القانونية لا تسمح بهذه السلطة للمحكمين، كما يتعين الاحتياط
ويجب ان يوضح عند صياغة بند القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع أن المقصد هو تطبيق القواعد الموضوعية في هذا القانون وليس قواعد تنازع القوانين، كما أن تحديد القانون الواجب التطبيق في اتفاق التحكيم يساعد على اختيار أكثر المحكمين تأهيلاً لتطبيق هذا القانون على النزاع.
7 – مكان التحكيم
من شروط التحكيم الجيد أن يحدد في الاتفاق مكان التحكيم مباشرة أو ان يعطي الاختصاص بتعيينه لهيئة التحكيم، ويتعين أن يجري ذلك بعد دراسة جادة متأنية للقانون الساري في هذا المكان لان القانون هو بالفعل القانون الذي سيحدد وجوبا حدود تدخل محاكم الدولة في التحكيم قبل صدور القرار أو بعده.
وغني عن البيان أن تحديد مكان التحكيم يؤثر في بعض الحالات في القانون المطبق على اجراءات سير المنازعة وموضوعها، لأمر الذي يستدعي التدقيق في اختياره.
وقد يري الطرفان أنه من المستحسن اختيار مكان يوفر فيه قانون التحكيم اطارا قانونيا مناسبا لتسوية المنازعات الدولية وفق احكامه، وقد يتفق الطرفان على ان يتم التحكيم في بلد الطرف الذي تقام ضده المطالبة، اذ ان الحكم الذي يصدر ضد هذا الاخير في بلده لن يواجه تنفيذه في ذلك البلد ما يرتبط بتنفيذ حكم أجنبي من مشاكل.
ويجب ايضا أن يتم التحكيم في إحدى الدول التي وقعت على اتفاقية نيويورك 1958 إذا اريد ان يكون القرار لتحكيم مشمول بالنفاذ في الخارج، في الدول الموقعة على هذه الاتفاقية.
وتظهر ايضا اهمية اختيار مكان التحكيم حيث انه هو الذي يقرر احياناً نهاية التحكيم وعلى سبيل المثال إن اختيار لندن أو قبرص مكاناً للتحكيم يمكن ان يؤدي الي تطبيق مواعيد للتقادم أقصر من غيرها من البلدان الأخرى، ولهذه الاسباب فالاختيار مكان التحكيم أهمية كبري من حيث مصير قرار التحكيم المرتقب ومستقبله.
8 – لغة التحكيم
من الافضل تحديد الاطراف لغة التحكيم وذلك لان ترجمة المستندات والوثائق، خاصة في القضايا الكبيرة يحمل الاطراف نفقات ماليه بخلاف الوقت الذي تستغرقه هذه الترجمة، بالإضافة الي ان الترجمة غالبا ما تخرج عن المعني الحقيقي للألفاظ خاصة بالنسبة للمصطلحات القانونية والفنية والتي يترتب عليها خلافات كان التحكيم في غني عنها، ولتفادي احتمالات هذا الخلاف –بقدر الامكان – يراعي ان تحدد لغة واحده تستخدم في جميع مراحل التحكيم بما فيها صدور الحكم.
وإذا لم تحدد لغة التحكيم في الاتفاق، يقوم المحكمون بتحديدها مما قد يترتب على ذلك احيان مفاجأة الاطراف بغير ما يتوقعونه وأحيانا يقرر المحكمون انه يجوز ان يستخدم الاطراف إحدى لغتين محددتين.
وعلي اية حال اذا لم يتوصل الاطراف الي اتفاق حول لغة التحكيم فعلي الاقل يتحمل كل طرف مصاريف الترجمة الخاصة به ، كما ان تحديد لغة التحكيم في اتفاق التحكيم يساعد علي اختيار اثر المحكمين علما بهذه اللغة ، وتجدر الاشارة الي انه نادرا ما تستخدم اللغة العربية في قضايا التحكيم الدولية  وخير مثالا علي ذلك : تحكيم جرى أمام غرفة التجارة الدولية بباريس وكان الطرفان عربيان وكان المحكمون الثلاثة ايضا عرب والقانون الواجب التطبيق علي النزاع ايضا عربيا – هو القانون السعودي- وكان العقد منفذا في المملكة العربية السعودية ، ومع ذلك كانت لغة التحكيم هي اللغة الانجليزية .
ويفسر ذلك ان لغتي الاجراءات امام غرفة التجارة الدولية هما الانجليزية والفرنسية، والتحكيم الذي يتم بلغة اخري يحتاج الي ترجمة الي إحدى هاتين اللغتين ليتسنى لمحكمة التحكيم بالغرفة مراجعته وهذا لا يمنع من ان تكون الاجراءات والحكم باللغة العربية على ان تعد له ترجمة بإحدى لغتي الاجراءات بالغرفة.
9-نفقات التحكيم
وتتمثل نفقات التحكيم في مصاريف الاجراءات واتعاب المحكمين ويتحمل كل طرف نصيبه وفقا لما وقع الاتفاق عليه وقد يتفق على تخويل هيئة التحكيم سلطة توزيع هذه النفقات. الامر الذ يسمح لها ان تحملها للأطراف بالتساوي، على ان يتحمل كل طرف نفقات محكمة.
10 – قرار التحكيم والزاميته وتنفيذه
يواجه من يصيغ اتفاق تحكيم بالنسبة لقرار التحكيم عدة مسائل هي [الأغلبية المطلوبة لصحته، تحرير القرار وتوقيع أعضاء هيئة التحكيم عليه وإمكانية تحرير الآراء المعارضة، تسبيب القرار، نهائية القرار من حيث مدى جواز الطعن فيه وأخيراً تفسير القرار] أما بالنسبة لإلزاميته وتنفيذه فيتعرض المستشار القانوني الي موضعين:
الأول: يتعلق بالتزام الاطراف بتنفيذ الحكم خلال مدة محدده بحسن نية.
والثاني: يتصل بالإجراءات الواجب اتخاذها لجعل حكم التحكيم واجب للتنفيذ في الدولة التي يراد التنفيذ فيها. ويجب أن يراعي في ذلك احكام قانون هذه الدولة ومن مصلحة المتحكم في نزاع مع دولة ان يتضمن اتفاق التحكيم ما يفيد نزول هذه الدولة عن حصانتها الدولية عند تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضدها على أموالها الكائنة خارج حدودها وعدم تمسكها بقانونها الداخلي للتخلص من الخضوع للتحكيم.
يجب على من يصيغ اتفاق التحكيم أن يكون علي علم بالتفسيرات المختلفة في البلاد المختلفة التي يتضمنها اتفاق التحكيم وعليه ايضا أن يتجنب التعبيرات التي تعطي أكثر من معني ويحدد علي وجه من الدقة والوضوح المعني المقصود من المصطلحات القانونية والفنية وعلي سبيل المثال يحدد معني الاجراءات، ضمانات حكم التحكيم، استبعاد الطعن.
11 – استبعاد الطعن في قرار التحكيم.
كما ذكرنا فان هدف التحكيم هو حسم الخلاف بين الاطراف نهائيا، ويجب ذكر ذلك صراحة في اتفاق التحكيم لذا ينص الاتفاق النموذجي بخصوص التحكيم بغرفة باريس للتجارة الدولية علي حسم الخلافات نهائيا عن طريق التحكيم، وفي حالة بطلان قرار التحكيم بصفة عامه رغم ورود هذا الشرط الا ان فائدته تظل في القوانين التي تسمح بالاستئناف واعادة النظر في قرار التحكيم.
ومن هنا تبرز اهمية حسن صياغة بنود اتفاق التحكيم بحيث تضمن عدم إمكان التحلل من هذه البنود او تفسيرها تفسيرات متضاربة من ناحية، ومن ناحية أخري، وقوف حكم التحكيم علي اساس قانوني معترف به لدي طرفي النزاع، وعلى هذا الاساس، يجب ان تصاغ بنود عقود التحكيم صياغة منضبطة تحدد ماهية كل بند من البنود على النحو الذي يكفل فاعلية التحكيم في مجال العقود الدولية للإنشاءات.
الخاتمة
    إنّ اتفاق التحكيم كوسيلة لحسم النزاعات يجب أن تتوافر فيه عدة بيانات التي من شأنها أن تجعله اتفاقاً واضحاً ومحدداً وتبعده عن أي لبس فيجب أن يحتوي اتفاق التحكيم على عدد المحكمين ومؤهلاتهم وطرق تعينهم ومكان التحكيم وكذلك الإجراءات المتبعة والقانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وموضوع النزاع وأيضاً المدة المحددة للتحكيم وهذه العناصر وراد ذكرها على سبيل المثال لا حصر فكلما أحتوى اتفاق التحكيم على كم من البيانات كلما أدى ذلك إلى تجنب المشاكل التي قد تحدث عند تنفيذ اتفاق التحكيم.

تم بحمد لله وتوفيقه

Admin
Admin

المساهمات : 57
تاريخ التسجيل : 24/05/2017
الموقع : البيضاء - ليبيا

https://aladellabya.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى